مكافحة الفساد- صرامة السعودية وضرورة الإصلاح المؤسسي
المؤلف: خميس الزهراني10.05.2025

لماذا تتصدر الدول المتقدمة، وفي طليعتها المملكة العربية السعودية، قائمة الدول الأكثر تشدداً في مكافحة الفساد؟ دعونا نستكشف هذا الأمر من خلال النظر في أربع صور قاتمة لجرائم الفساد التي تسمم النفوس، فلنتخيلها معاً كقصة مؤثرة! لنقترب أكثر من الواقع، ونتأمل حكاياتكم اليومية، فأنتم شهود عيان عليها، ونحن هنا لننقل لكم الرواية بكل أمانة، مع الاعتراف بأن سهام هذا الداء قد أصابتنا جميعاً بشكل أو بآخر. حينما تُروى هذه القصص، لن تجدوها غريبة أو بعيدة المنال، بل مألوفة جداً، فقد عايشها الكثيرون، وإن اختلفت تفاصيلها من شخص لآخر.
إذن، هيا بنا ننطلق في رحلة الخيال سوياً.. نستيقظ كل صباح على وقع قرارات ارتجالية، ونشاهد مزاجية إدارية متفشية في بعض المؤسسات، فضلاً عن سوء استغلال فاضح للسلطات، وكل ذلك يتم باسم "التطوير" المزعوم، بينما الحقيقة المرة تكشف عكس ذلك تماماً. بمعنى أوضح، عندما يتحول الفساد إلى قاعدة راسخة، تنسجها خيوط الفريق المنتفع والمخطط، فمن المحتم أن تتآكل بيئة العمل تدريجياً، ويصاب الموظفون بالإحباط واليأس، وتفقد المؤسسات بريقها الإنتاجي، وتكون النتيجة وخيمة: تدهور ملحوظ في جودة العمل، وتأخر مزمن في إنجاز المشاريع الحيوية، وخلق بيئة طاردة لكل من يمتلك الكفاءة والمهارة.
في بعض المؤسسات، يتحول المدير إلى "آمر ناهٍ"، يُصدر قراراته دون أدنى شعور بالمسؤولية أو الخوف من المحاسبة، ويوزع الامتيازات والمكافآت بسخاء على المقربين والمحاسيب، بينما يحاصر ويضيق على غير المرغوب فيهم، حتى يختنقوا ويفقدوا الأمل ويقرروا الرحيل. أما الشكاوى والتظلمات، فحدث ولا حرج، فهي تُدفن في مهدها قبل أن تصل إلى أي جهة مسؤولة، وإن وصلت بالصدفة، فإنها تصطدم بجدار سميك من التبريرات الواهية والمماطلات البيروقراطية المعقدة.
وللأسف الشديد، لم يقتصر الأمر على الفساد المالي الصارخ والتلاعب المكشوف بالمال العام، أو التوظيف العشوائي المترهل الذي يفتقر إلى الكفاءة والشفافية، بل تجاوز ذلك إلى ممارسات يومية تبدو للوهلة الأولى بسيطة، لكنها في الواقع مدمرة وخبيثة. تأخير الترقيات المستحقة للعاملين المجتهدين، ومنح الشلة المقربة قفزات استثنائية في المناصب والرواتب، ثم ترشيحهم لمناصب أعلى بأساليب ملتوية، فضلاً عن فرض الولاءات الشخصية الضيقة، وحرمان المستحقين من حقوقهم المشروعة، وكل ذلك يتم تحت غطاء من الحجج الإدارية الواهية التي لا تصمد أمام المنطق السليم.
أما الأمر الأكثر خطورة وإيلاماً فهو خلق بيئة سامة تكرس هذا السلوك المشين، كيف؟ ببساطة، يصبح من الصعب على الشخص النزيه والمخلص أن يستمر في عمله دون أن يدفع ثمناً باهظاً، فيراوح مكانه دون تقدم، بينما يترقى غيره من المتملقين والمتزلفين، ويزدهر نفوذه وسطوته.
المملكة العربية السعودية، شامخة بمكانتها وريادتها، تخوض حرباً ضروساً لا هوادة فيها ضد الفساد بكل أشكاله وصوره، وعلينا جميعاً أن ندعم هذه الجهود النبيلة بكل ما أوتينا من قوة، ليس فقط من خلال الإبلاغ عن المخالفات والتجاوزات، بل أيضاً من خلال رفض قاطع لكل أشكال التواطؤ والتغاضي عن السلوكيات المشينة التي تهدم مؤسساتنا من الداخل وتقوض بنيانها.
وهنا يكمن السؤال: هل نعي حقاً تلك التحولات الهامة والمصيرية التي نشهدها في مجال مكافحة هذه السلوكيات المدمرة؟ صدقوني، إنني أفتخر بجيل اليوم وأحيي الجيل الذي ربانا على القيم والأخلاق الفاضلة، وأعلق آمالاً كبيرة على وعيكم ويقظتكم. لذلك نكررها دائماً: إن الشفافية والنزاهة ليستا مجرد شعارات جوفاء نرفع بها أصواتنا في المجالس والمنتديات، بل هما أساس أي مجتمع طموح يتطلع إلى النهضة والتقدم والازدهار، وذلك لا يتحقق إلا بالعمل الجاد والإقدام والتكاتف والتعاون الوثيق بين جميع أفراده.
والفساد، مهما حاول التخفي والتستر بيننا، لا يمكنه الصمود بأي شكل من الأشكال أمام القوة والإرادة الحقيقية للإصلاح والتغيير نحو الأفضل.